Index   Back Top Print

[ AR  - EN  - ES  - FR  - IT  - PL  - PT ]

الزيارة الرّسوليّة إلى كازاخستان

المؤتمر الصّحفي في أثناء رحلة العودة من نور سلطان إلى روما

الخميس 15 أيلول/سبتمبر 2022

[Multimedia]

_____________________________________

 

ماتيو بروني

مساء الخير جميعًا. تحية، قداسة البابا: أشكرك على هذه اللحظة مع الصّحفيّين الذين رافقوك في هذه الأيام الثلاثة. كالعادة، هناك بعض الأسئلة لقداستك. يمكن أن نبدأ بالأسئلة.

 

البابا فرنسيس

صباح الخير وشكرًا جزيلًا لرفقتكم ولعملكم: يومان، لكنهما كانا كثيفين. شكرًا جزيلًا.

 

(تمنياتنا في مناسبة عيد ميلاد ستيفانيا فالاسكا)

 

ماتيو بروني

يمكننا أن نبدأ مع الدكتورة زنات أحمدوفا، من وكالة التلفزيون الكازاخستانيّة

 

زنات أخميتوفا، TV AGENCY KHABAR"

صباح الخير أيّها الأب الأقدس. شكرًا جزيلًا لزيارتكم لكازاخستان. قداستكم، ما هي نتيجة زيارتكم لكازخستان؟ في خطاباتكم، أشرتم إلى جذور شعبنا: ما الذي ألهمك للقيام بذلك؟ شكرًا جزيلًا.

 

البابا فرنسيس

كانت الزيارة مفاجأة لي أيضًا. لأنني عن آسيا الوسطى - باستثناء موسيقى بورودين - لم أكن أعرف شيئًا. كانت مفاجأة لي أن ألتقي بممثّلي هذه الشعوب. وكانت كازاخستان أيضًا مفاجأة حقًا لأنّني لم أتوقعها على هذا النحو. كنت أعرف أنّها دولة، تطوّرت جيدًا، وبذكاء. لكن أن أجد مثل هذا التطوّر بعد ثلاثين عامًا من الاستقلال، لم أكن أتوقع ذلك. بلد كبير، بعشرين مليون، أو تسعة عشر مليون من السّكان... إنهّ أمر لا يُصدق. بلد منظَّم جدًا، وجميل. مع العديد من الأشياء الجميلة: هندسة المدينة، متوازنة، منتظمة. مدينة حديثة، مدينة يمكنّني أن أقول ”من المستقبل“. وهذا ما أدهشني: رغبة كبيرة في التقدّم ليس فقط في الصّناعة، وفي التنمية الاقتصاديّة والماديّة، وإنّما أيضًا في التنمية الثقافيّة. كانت مفاجأة لم أكن أتوقعها. ثمّ المؤتمر... إنّه شيء مهم جدًا. إنّه النسخة السّابعة! هذا يعني أنّه بلد لديه بُعد نظر، ويُدخِل في الحوار الذين يتمّ تهميشهم عادة. لأن هناك مفهومًا في العالم التقدّمي، وبحسبه أوّل ما يتمّ إقصاؤه هي القيَم الدينيّة. عكس ذلك، إنّه بلد يواجه العالم باقتراح من هذا النوع... وهذه المرّة السّابعة يعقد فيها مثل هذا المؤتمّر، إنّه أمر رائع! إن سمح الوقت سأعود إلى هذا اللقاء بين الديانات. يمكنكِ أن تفتخري ببلدك وبوطنك.

 

ماتيو بروني

شكرًا صاحب القداسة. السّؤال الثاني يأتي من روديجر كرينتالر من التلفزيون الألماني ARD.

 

روديجر كرينتالر ARD

شكرًا، الأب الأقدس، على رسالتكم، رسالة السّلام. أنا ألماني كما يظهر من لهجتي. شعبي كان مسؤولًا عن ملايين الموتى، قبل ثمانين سنة. أودّ أن أطرح سؤالًا عن السّلام: نظرًا إلى أنّ شعبي مسؤول عن ملايين القتلى، نحن في المدرسة نتعلم أنّه يجب ألّا نستخدم الأسلحة أبدًا، وألّا نستخدم العنف أبدًا. الاستثناء الوحيد هو الدفاع عن النفس. هل تعتقد أنّ هناك حاجة الآن لإعطاء السّلاح إلى أوكرانيا.

 

البابا فرنسيس

هذا قرار سياسي، ويمكن أن يكون أخلاقيًا، أو مقبولًا أخلاقيًا، إن تمّ اتخاذه وفقاً لما تقتضيه الأخلاق، وهي كثيرة ويمكن أن نتحدّث عنها. ولكن يمكن أن يكون غير أخلاقي إن تمّ القيام بذلك بقصد التسبب في مزيد من الحرب أو بيع الأسلحة أو التخلّص من تلك الأسلحة التي لم أعد بحاجة إليها. الدافع هو الذي يحدّد أخلاقيّة هذا العمل. إنّ الدفاع عن النفس ليس مشروعًا فحسب، بل هو تعبير عن حبّ الوطن أيضًا. من لا يدافع عن نفسه، ومن لا يدافع عن شيء ما، فهو لا يحبّه، أمّا من يدافع، فهو يحب. يجب أيضًا اعتبار شيء آخر قلته في إحدى خطاباتي، وهو أنّه يجب علينا أن نقوم بمزيد من التفكير في مفهوم الحرب العادلة. لأنّ الجميع يتحدّثون على السّلام اليوم: منذ سنين عديدة، منذ سبعين سنة تتحدّث الأمّم المتحدّة عن السّلام، خطابات كثيرة عن السّلام. لكن كم عدد الحروب الجارية الآن؟  التي ذكرتها، أوكرانيا - روسيا، والآن أذربيجان وأرمينيا التي توقفت قليلًا لأنّ روسيا خرجت كضامنة للسّلام هنا، وتشنُّ الحرب هناك... ثمّ هناك سوريا، عشر سنوات من الحرب، ماذا يحدث هناك ولماذا لا تتوقّف؟ ما هي المصالح التي تحرّك هذه الأشياء؟ ثمّ هناك القرن الأفريقي، ثمّ شمال الموزمبيق، وإريتريا المجاورة لإثيوبيا، ثمّ ميانمار مع هذا الشّعب المتألّم الذي أحبّه كثيرًا، شعب الروهينجا الذي يدور ويدور مثل الغجر ولا يجد السّلام. نحن في حرب عالميّة، من فضلكم... أتذكّر شيئًا شخصيًّا، عندما كنت طفلًا، كنت في التاسعة من عمري. أتذكر أنّني سمعت صوت إنذار أكبر صحيفة في بوينس آيرس: في ذلك الوقت كان هذا الصّوت علامة للاحتفال أو لإعطاء أخبار سيئة، - الآن لم يعد كذلك – ولكنّه كان يُسمع في جميع أنحاء المدينة. قالت أمي: ”ما الذي يحدث؟“.  كنّا في حالة حرب في عام 1945. وجاءت إحدى الجارات إلى المنزل لتقول: ”دق ناقوس الخطر...“ وكانت تبكي، ”انتهت الحرب!“. واليوم أرى أمي والجارة تبكيان من الفرح لأنّ الحرب قد انتهت، وذلك في بلد بعيد في أمريكا الجنوبيّة! هاتان المرأتان كانتا تعرفان أنّ السّلام أعظم من كلّ الحروب وكانتا تبكيان من الفرح عندما حلَّ السّلام. لن أنسى هذا الحدث. وأتساءل اليوم: هل قلوبنا نشأت هذه النشأة وتعرف أن تبكي من الفرح عندما نرى السّلام. كلّ شيء تغيّر. إن لم تصنع الحرب، فلا فائدة منك. سأتكلّم فيما بعد عن ألمانيا، فيما بعد. ثمّ هناك صناعة الأسلحة. إنّها تجارة قاتلة. قال لي شخص يفهم في الإحصائيات إنّه لو توقّف صنع الأسلحة لمدة سنة، لحُلَّت أزمة الجوع كلّها في العالم... لا أعرف هل هذا صحيح أم لا. لكن الجوع والتربية... لا يمكن صنع شيء... لأنّه يجب أن يصنعوا الأسلحة. في جنوا قبل بضع سنوات، ثلاث أو أربع سنوات، وصلت سفينة محملة بالأسلحة كان من المقرّر نقلها إلى سفينة أكبر كانت متوجهة إلى إفريقيا، بالقرب من السّودان، أعتقد جنوب السودان. لكنَّ عمال الميناء رفضوا أن يقوموا بالعمل. لقد كلّفهم ذلك كثيرًا، لكن هذا واقع يقول اليوم: ”لا“، أنا لا أتعاون مع هذا، مع الموت“. إنّها قصة لكنّها تُشعِر أنّ هناك ضمير سلام. لقد تحدّثت عن وطنك. من الأشياء التي تعلمتها منكم هي القدرة على التوبة وطلب المغفرة عن أخطاء الحرب. ولكن ليس طلب المغفرة وحسب، وإنّما دفع ثمن أخطاء الحرب أيضًا: وهذا أمرٌ تُمدَحُون له. إنّه مثال يجب الاقتداء به. إنَّ الحرب في حدِّ ذاتها خطأ، إنّها خطأ! ونحن في هذه المرحلة نتنفس هذا الهواء: إذا لم يكن هناك حرب يبدو أنّه لا توجد حياة. ربما بشكل غير مرتب، لكني قلت كلّ ما أريد أن أقوله عن موضوع الحرب العادلة. لكن الحقّ في الدفاع عن النفس، نعم، ذلك نعم، ولكن يجب استخدامه عند الضّرورة.

 

ماتيو بروني

شكرًا صاحب القداسة. السّؤال التالي تطرحه سيلفيا ويسوكا من وكالة الأنباء البولنديّة.

 

سيلفيا ويسوكا، PAP

الأب الأقدس، قلتم: لا يمكننا أبدًا تبرير العنف. كلّ ما يحدث في أوكرانيا الآن هو عنف خالص، وموت، ودمار شامل من قبل روسيا. نحن في بولندا، الحرب قريبة منّا، على أبوابنا، مع مليوني لاجئ. أودّ أن أسأل هل هناك في رأيكم خط أحمر لا يجوز القول عنده: نحن منفتحون على الحوار مع موسكو، لأنّه يصعب على الكثيرين أن يفهموا هذا الموقف. وأودّ أيضًا أن أسأل هل الرحلة القادمة ستكون إلى كييف. شكرًا.

 

البابا فرنسيس

سأجيب على هذا السّؤال، لكنّني أفضل أن تُطرح الأسئلة حول الزيارة أوّلًا... سأجيب على هذا السّؤال. لكن من فضلكم، أن تكون الأسئلة حول الزيارة. ومن ثمّ، إذا كان هناك وقت سنسمع أسئلة أخرى.

 أعتقد أنّه من الصّعب دائمًا أن نفهم الحوار مع الدول التي بدأت الحرب، ويبدو أنّ الخطوة الأولى كانت من هناك، من ذلك الجانب. الحوار صعب لكن يجب ألّا نستبعده، بل يجب أن نعطي فرصة الحوار للجميع! لأنّه في الحوار هنالك دائمًا احتمال بأن تتغيّر الأشياء، وكذلك احتمال تقديم وجهة نظر أخرى. أنا لا أستبعد الحوار مع أي قوّة كانت في حالة حرب، ولو كانت الجهة المعتديّة... أحيانًا يجب أن يتمَّ الحوار على هذا النحو، لكن يجب أن يتمّ، قد لا يريح، لكن يجب أن يتمّ. إنّها دائمًا خطوة إلى الأمام، ويد ممدودة دائمًا! وإلّا فإنّنا نغلق الباب المعقول الوحيد للسّلام. أحيانًا لا يقبلون الحوار، وهذا أمر مؤسف! لكن يجب أن يتمَّ الحوار دائمًا، أو أن يُقترح على الأقل، وهذا الأمر يفيد من يقترحه، يجعله يتنفس.

 

ماتيو بروني

شكرًا. السّؤال التالي من لُو بيسموند دي سينفيل، من La Croix

 

لُو بيسموند دي سينفيل، LA CROIX

شكرًا، صاحب القداسة، شكرًا جزيلًا على هذه الزيارة، وعلى هذه الأيام في آسيا الوسطى. خلال هذه الزيارة كان هناك حديث كثير عن القيَم والأخلاق، ولا سيّما خلال المؤتمر بين الديانات، أثار بعض القادة الدينيّين ضياع الغرب بسبب تدهوره الأخلاقي. ما هو رأيك في هذا؟ هل تعتبر أنّ الغرب هو في حالة ضياع ومهدّد بفقدان قيمه؟ أفكر بشكل خاص في النقاش الذي يدور في بعض البلدان حول القتل الرّحيم، ونهاية الحياة، كان ذلك في إيطاليا، وأيضًا في فرنسا وبلجيكا. شكرًا قداسة البابا.

 

البابا فرنسيس

صحيح أنّ الغرب، بشكل عام، ليس على أعلى مستوى من المثالية في الوقت الحالي. إنّه ليس طفل المناولة الأولى، لا، لا. لقد سلك الغرب طرقًا خاطئة، لنفكّر على سبيل المثال في الظلم الاجتماعي الموجود بيننا، هناك بعض البلدان التي تطوّرت قليلًا في مجال العدالة الاجتماعيّة، لكنني أفكر في قارتي، أمريكا اللاتينيّة التي هي الغرب. لنفكّر أيضًا في البحر الأبيض المتوسط، وهو الغرب أيضًا: وهو اليوم أكبر مقبرة، لا لأوروبا وحسب، وإنّما للبشريّة. ماذا فقد الغرب لكي ينسى أن يستقبل، فيما هو بحاجة إلى أن يستقبل. عندما نفكّر في الشتاء الديموغرافي الذي نعيشه: هناك حاجة إلى ناس: في إسبانيا - في إسبانيا بشكل خاص - وكذلك في إيطاليا هناك بلدات فارغة، فيها عشرون امرأة مسنّة، ثمّ لا شيء. ولكن لماذا لا نضع سياسة للغرب يتمّ فيها قبول المهاجرين بمبدأ أنّه يجب قبول المهاجر ومرافقته وتعزيزه وادماجه؟ هذا أمر مهم جدًّا، القبول والاستيعاب. ولكن ”لا“، إنّه نقص في فهم القيَم، عندما عاش الغرب هذه التجربة، نحن بلدان هاجرت. في بلدي - التي أعتقد أنّها تضمُّ 49 مليونًا في الوقت الحالي - لدينا فقط نسبة مئويّة تقل عن مليون نسمة من السّكان الأصليّين، وجميع الآخرين هم من أصول مهاجرة. جميعهم: إسبان، إيطاليون، ألمان، سلاف وبولنديون، من آسيا الصّغرى، لبنانيون، جميعهم... لقد اختلط الدم هناك وهذه الخبرة ساعدتنا كثيرًا. ولكن الآن ولأسباب سياسيّة، لا تسير الأمور جيّدًا في بلدان أمريكا اللاتينيّة، لكنّني أعتقد أنّه يجب النظر إلى الهجرة بجدية في هذه اللحظة لأنّها ترفع من قيمة الفكر والقلب قليلًا في الغرب. أمّا مع هذا الشتاء الديموغرافي، فإلى أين نحن ذاهبون؟ إنَّ الغرب هو في حالة تدهور عند هذا الحد، لقد خسر... لنفكّر في الجزء الاقتصاديّ: خير كثير يتمّ، خير كثير. ولكن لنفكّر في الانطلاقة السياسيّة والرّوحيّة لشومان وأديناور ودي غاسبري، هؤلاء العظماء: أين هم اليوم؟ هناك عظماء، لكنّهم لا يستطيعون أن يتقدّموا بالمجتمع. يحتاج الغرب إلى أن يتكلّم، وأن يحترم نفسه، ومن ثمّ هناك خطر الشعبويّة. ماذا يحدث في دولة اجتماعيّة وسياسيّة من هذا النوع؟ يولد المسحاء: مُسحاء الشعبويّة، إنّنا نرى بعض الأمور، نرى كيف تولد الشعوبيّات. وأعتقد أنّني ذكرت في بعض المرّات كتاب غينزبيرج، "علامة 1933"، فهو يصف تمامًا كيف ولدت الشعبويّة في ألمانيا بعد سقوط حكومة فايمار. تولد الشعبويّة على هذا النحو: عندما يكون هناك مستوى وسط بدون قوّة، ويعد أحدهم بالمسيح. وأختم، أعتقد أنّنا نحن الغربيّين لسنا على أعلى مستوى لكي نساعد الشّعوب الأخرى، وإنّما نحن في حالة تدهور بعض الشيء. ربما، نعم، لكن علينا أن نستعيد القيَم، قيَم أوروبا، قيَم الآباء المؤسّسين العظماء الذين أسّسوا الاتحاد الأوروبي. لا أعرف، أنا مرتبك بعض الشيء، لكن أعتقد أنّني قد أجبت.

 

لُو بيسموند دي سينفيل، LA CROIX

وحول القتل الرحيم؟

 

البابا فرنسيس

إنّ القتل ليس أمرًا بشريًّا. نقطة على السطر. إذا قتلت بدوافع، نعم... في النهاية ستقتل أكثر فأكثر. إنّه ليس انسانيًّا. لنترك القتل للوحوش.

 

ماتيو بروني

السّؤال التالي من ياكوبو سكاراموتسي، من La Repubblica.

 

ياكوبو سكاراموتسي،La Repubblica

مساء الخير قداسة البابا. أودّ التعقيب على السّؤال الأخير: لقد سلطتم الضوء في خطاباتكم وبشكل مكثّف على العلاقة القائمة بين القيَم، القيَم الدينيّة وحيوية الديمقراطيّة. ماذا ينقص قارتنا الأوروبيّة، بحسب رأيكم؟ ماذا يتعيّن عليها أن تتعلّم من خبرات الآخرين؟ واسمح لي أن أضيف شيئا آخر: بعد بضعة أيام سيمارس الإيطاليون الديمقراطيّة، وسينتخبون وستكون هناك حكومة جديدة. عندما ستلتقي برئيس الحكومة المقبلة، أو برئيسة الحكومة المقبلة، ماذا ستنصحونه أو ستنصحونها؟ ما هي برأيك الأولويّات بالنسبة لإيطاليا؟ ما هي مخاوفكم؟ والأخطار الواجب تفاديها؟ شكرًا.

 

البابا فرنسيس

 أعتقد أنّي سبق أن أجبتُ على هذا السّؤال في السّفرة الأخيرة. لقد تعرفتُ على رئيسَين إيطاليين، من أعلى المستويات: نابوليتانو والرّئيس الحالي. إنّهما رجلان عظيمان. أمّا باقي القادة السياسيّين فلا أعرفهم. خلال السّفرة الأخيرة، سألت أحد معاونيَّ من أمناء السّر عن عدد الحكومات التي تعاقبت في إيطاليا في هذا القرن: عشرون حكومة. لا أدري كيف أفسر ذلك. لا أدين ولا أنتقد، بكلّ بساطة، لا أعرف أن أفسر ذلك. إذا تعاقبت الحكومات بهذا الشكل فثمة العديد من التساؤلات التي تُطرح. كي يكون اليوم المرء سياسيًّا، أو سياسيًّا كبيرًا، الطريق أمامه صعبة: سياسي يكرس نفسه لخدمة الوطن والقيَم العليا، لا لمصالحه الخاصّة، أي للمنصب والرّخاء... يتعيّن على البلدان، من بينها إيطاليا، أن تبحث عن مسؤولين سياسيين عظماء، يكونون قادرين على ممارسة العمل السّياسي، الذي هو فن. السّياسة هي دعوة نبيلة. أعتقد أنّ أحد البابوات –  لا أعرف هل هو بيوس الثاني عشر أم بولس السّادس – قال إن السّياسة هي شكل من أسمى أشكال المحبّة. علينا أن نكافح كي نساعد مسؤولينا السياسيّين في الحفاظ على مستوى السّياسة الراقية، لا السّياسة الرّخيصة التي لا تساعد إطلاقًا، بل على العكس إنّها تعود بالدولة إلى الوراء، وتُفقرها. على السّياسة اليوم في البلدان الأوروبيّة أن تهتم مثلًا بمشكلة الشّتاء الديمغرافي، ومسألة النمو الصّناعي، والنمو الطّبيعي، ومشكلة المهاجرين... ينبغي على السّياسة أن تواجه المشاكل بجدية كي نسير إلى الأمام. إنّي أتكلّم على السّياسة بصورة عامة. أنا لا أفهم السّياسة الإيطاليّة: أعرف فقط تعاقب عشرين حكومة خلال عشرين عامًا، هذا أمر غريب... لكن لكلّ بلد طريقته في رقصة التانغو. يمكن أن تُنفَّذ بطرق مختلفة، والسّياسية يمكن أن تُنفَّذ بطرق مختلفة.

على أوروبا أن تستفيد من خبرات بلدان أخرى، بعضها تفيد، وبعضها لن تجدي نفعًا. لكن عليها أن تكون منفتحة، وينبغي على كلّ قارة أن تكون منفتحة على خبرات الآخرين.

 

ماتيو بروني

السّؤال التالي من إليز هاريس ألين من Crux

 

إليز هاريس ألان، Crux

تحية قداسة البابا. شكرًا على حضوركم معنا هذا المساء. تكلّمتم يوم أمس خلال المؤتمر على أهمية الحريّة الدينيّة. كما تعلَم، لقد وصل في اليوم نفسه إلى المدينة رئيس الصّين، حيث تُثير هذه المسألة القلقَ منذ فترة طويلة، خصوصًّا اليوم مع المحاكمة التي يتعرض لها الكاردينال زين. هل تعتبر أنّ القضيّة المرفوعة عليه انتهاك للحريّة الدينيّة؟

 

البابا فرنسيس

كي نفهم الصّين نحتاج إلى قرن من الزمن ونحن لا نعيش مدة قرن! العقليّة الصينيّة هي عقليّة غنيّة، وعندما تتعرّض للمرض فإنّها تفقد الغنى، وتصبح قادرة على ارتكاب الأخطاء. ولكي نفهم اخترنا درب الحوار، ونحن منفتحون على الحوار. هناك لجنة ثنائيّة فاتيكانيّة – صينيّة تعمل بشكل جيّد، لكن ببطء لأن نمط العمل الصّيني بطيء، أمامهم الأبديّة كلّها! إنّه شعب يتمتع بصبر لامتناه. استنادًا إلى الخبرات السّابقة نفكّر في المرسلين الإيطاليّين الذين ذهبوا إلى هناك، وعوملوا باحترام كعلماء؛ نفكر اليوم أيضًا في العديد من الكهنة والأشخاص المؤمنين الذين دعتهم الجامعة الصينيّة لأنّ هذا الأمر يعطي قيمة للثقافة. ليس من السّهل أن نفهم العقليّة الصينيّة، لكن لا بد من احترامها، وأنا أحترم دائمًا.

توجد هنا في الفاتيكان لجنة للحوار تعمل بشكل جيّد، يرأسها الكاردينال بارولين وهو حاليًا أكثر من يعرف عن الصّين وعن الحوار الصّيني. المسألة بطيئة لكنّها تُحقَّق دائماً خطواتٍ إلى الأمام. أنا لا أقدر أن أصف الصّين أنّها غير ديمقراطيّة. إنّه بلد معقّد جدًّا... وله طرقه. صحيح أنّه توجد بعض الأمور التي تبدو بالنسبة لنا غير ديمقراطيّة، هذا صحيح. سيَمثُل الكاردينال زين أمام المحكمة خلال هذه الأيام، على ما أعتقد. وهو يقول ما يشعر به، ومن الواضح أن هناك بعض القيود. من الصّعب أن يتمّ توصيف الصّين، وأنا لا أريد أن أفعل ذلك، إنّها مجرد انطباعات، أسعى إلى دعم درب الحوار. ومن خلال الحوار يتمّ إيضاح أمور كثيرة، ليس فقط بالنسبة للكنيسة، بل في قطاعات أخرى أيضًا. مثلًا اتساع الصّين: إن حكام المحافظات مختلفون بعضهم عن بعضهم، ثمة ثقافات مختلفة داخل الصّين نفسها، إنّه بلد عملاق، وفهم الصّين يحتاج إلى جهد عملاق. لكن يجب ألّا نفقد الصّبر، ثمة حاجة إلى الكثير من الجهد، علينا متابعة الحوار. وأنا أحاول الامتناع عن توصيف الصّين لأنّه، نعم، يمكن ذلك، لكن يجب دائمًا أن نسير ونتقدّم.

 

إليز هاريس ألان

ماذا عن Xi Jinping؟

 

البابا فرنسيس

لقد قام بزيارة الدولة هناك، لكني لم أره!

 

ماتيو بروني

السّؤال التالي من ماريا أنجيليس كوندي مير، من Rome Reports

 

ماريا أنجيليس كوندي مير، Rome Reports

في البيان الختامي الموقّع وجّه جميع القادة نداء إلى الحكومات والمنظمات الدوليّة كي توفَّر الحماية للأشخاص المضطهدين بسبب العرق أو الدين. وهذا ما يحصل وللأسف في نيكاراغوا. نعلم أنّكم تطرقتم إلى هذا الموضوع في 21 آب/أغسطس بعد صلاة الملاك. هل يمكنكم أن تضيفوا شيئًا للشّعب الكاثوليكي، خاصّة في نيكاراغوا. سؤال آخر: لقد رأيناكم بصحة جيّدة خلال هذه الزيارة. نودّ أن نعرف هل يمكنكم أن تقوموا بالزيارة التي اضطررتم إلى تأجيلها، إلى أفريقيا، وهل هناك زيارات أخرى مُدرجة على جدول الأعمال؟

 

البابا فرنسيس

بالنسبة لنيكاراغوا كلّ الأنباء واضحة. هناك حوار. وتمّ الكلام مع الحكومة. الحوار موجود. لكن هذا لا يعني أنّنا نوافق على كلّ ما تفعله الحكومة، أو أنّنا نرفض كلّ شيء. لا. الحوار قائم. وإن وجد حوار فلأن ثمة حاجة لحلّ المشاكل. توجد مشاكل حاليًا. وأنا آمل أن تعود راهبات الأم تيريزا على الأقل. تلك النساء ثوريات، لكن بحسب الإنجيل! لا يُعلِنَّ الحرب على أحد. على العكس، كلّنا نحتاج إلى تلك النساء. وهذا عمل لا يمكن فهمه... لكن نأمل أن يتمكنَّ من العودة وتحلّ المشكلة. الحوار ينبغي ألّا يتوقّف أبدًا. ثمة أمور لا يمكن فهمها. إنّ طرد سفير بابوي مسألة خطيرة دبلوماسيًّا. السّفير البابوي ”رجل جيّد“ والآن تمّ تعيينه في مكان آخر. هذه الأمور يصعب فهمها وتقبّلها.

 

[سؤال غير مفهوم]

 

لكنّها ليست الحالة الوحيدة. في أمريكا اللاتينيّة توجد حالات من هذا النوع، هنا أو هناك.

فيما يتعلّق بالزيارات، المسألة صعبة. رُكبتي لم تتعافَ بعد، لكن الزيارة المقبلة سأقوم بها. تكلّمت قبل أيام إلى المونسينيور ويلبي وتطرقنا إلى إمكانيّة زيارة جنوب السّودان في شباط/ فبراير. وإذا ذهبتُ إلى جنوب السّودان سأذهب أيضًا إلى الكونغو. إنّنا نحاول لأنّه يجب أن نقوم بالزيارة نحن الثلاثة معًا: رأس الكنيسة المشيخيّة الأسكتلنديّة، المونسينيور ويلبي وأنا. لقد عقدنا لقاء لترتيب هذه الأمور على منصة ”زوم“، قبل أيام.

 

ماتيو بروني

صاحب القداسة، لقد قمنا بجولة أولى، وهناك أسئلة أخرى، إن كنت تريد... السّؤال التالي في هذه الأثناء هو من أليكسي غوتوفسكي من EWTN، الذي يعيش ويعمل في روما ولكنه أصلًا من كازاخستان.

 

أليكس غوتوفسكي، EWTN

 

شكرًا، الأب الأقدس، لأنّك زرت بلدنا. أودّ أن أسألك: بالنسبة للكاثوليك المقيمين في كازاخستان، حيث الأكثريّة مسلمة، كيف يمكن أن يُمارس عمل البشارة ضمن هذا السّياق؟ وهل من شيء ألهمكم عندما رأيتم الكاثوليك في كازاخستان؟

 

البابا فرنسيس

السّؤال الثاني: ألهمني؟ لا أدري... لكن سُررت اليوم في الكاتدرائية لدى رؤيتي الكاثوليك متحمسين وسعداء وفرحين. هذا هو انطباعي عن الكاثوليك الكازاكيّين. هناك أيضًا العيش معًا مع المسلمين: إنّها مسألة يتمّ العمل بشأنها وقد تَحقق تقدّم، ليس في كازاخستان فقط. نفكر في بعض بلدان أفريقيا الشماليّة، حيث هناك العيش الجميل معًا... في المغرب على سبيل المثال. في المغرب هناك حوار جيّد.

وأودّ أن أتوقّف عند اللقاء الديني. لقد انتقد البعض ذلك وقالوا إنّ هذا الأمر يغذي وينمّي النسبيّة. لا وجود للنسبيّة هنا! كلّ طرف عبّر عن موقفه، وجميعنا نحترم مواقف الآخر، لكنّنا نتحاور مثل الإخوة. لأنّه إن لم يكن حوار، يحلّ الجهل أو الحرب. من الأفضل أن نعيش مثل الأخوة، لدينا قاسم مشترك، ألّا وهو أنّنا جميعًا بشر. نعيش مثل الكائنات البشريّة، مثل أشخاص مؤدّبين: أنتَ ما هو رأيك؟ أنا ما هو رأيي؟ لنتّفق، لنتحاور، لنتعارف. في الكثير من الأحيان تقع الحروب ”الدينيّة“، غير المفهومة، بسبب غياب المعرفة. وهذا ليس نسبيّة، أنا لا أتخلى عن إيماني إذا تحدّثت مع إيمان شخص آخر. بالعكس، إني أشرّف إيماني لأنّ الآخر يُصغي إليه وأنا أصغي إلى إيمانه. ما أدهشني جدًّا هو أنّ بلدًا فتيًا كهذا، والذي يواجه الكثير من المشاكل – المناخ على سبيل المثال – كان قادرًا على تنظيم سبع مرات هذا اللقاء من هذا النوع. لقاء عالمي، بين اليهود والمسيحيّين والمسلمين والديانات الشّرقيّة... رأينا حول الطاولة أن الجميع كانوا يتحدّثون ويُصغون باحترام. هذا من بين الأشياء الجميلة التي صنعها بلدكَ. بلد كهذا، يعيش في طرف العالم، إن صحّ التعبير، دعا إلى عقد لقاء من هذا النوع. هذا هو الانطباع الذي تكوّن لدي. كما أنّ للمدينة جمالًا معماريًا من الطراز الأوّل. وهناك أيضًا اهتمامات الحكومة، وقد أثّرت فيَّ جدًّا الاهتمامات الثقافيّة لرئيس مجلس الشّيوخ: كان يعمل من أجل هذا اللقاء، لكنه وجد الوقت ليعرّفني على مطرب شاب، لا بد أنّك تعرفه، إنّه فتى منفتح على الثقافة. لم أكن أتوقّع هذا الأمر وقد سُررت كثيرًا بالتعرف عليكم.

 

أليكس غوتوفسكي، EWTN

شكرًا، وأهلًا وسهلًا بك دائمًا، في كازاخستان!

 

ماتيو بروني

السّؤال الأخير من رودولف جيريغ من Ewtn

 

رودولف جيريغ EWTN

شكرًا، الأب الأقدس، شكرًا على كلّ شيء. قداسة البابا، كنائس كثيرة في أوروبا، مثلًا الألمانيّة، تعاني من خسائر كبيرة في عدد المؤمنين، فالشّبان يبدو أنّهم غير عازمين على الذهاب إلى القداس. كم أنتم قلقون حيال هذا التوجه، وماذا تريدون أن تفعلوا؟

 

البابا فرنسيس

هذا صحيح جزئيًا، ونسبي جزئيًا. صحيح أنّ روح العلمنة والنسبيّة يطرح تساؤلات في هذه القضايا، هذا صحيح. ما ينبغي فعله قبل كلّ شيء، هو أن نكون منسجمين مع إيماننا. لنفكّر: إذا كنتَ أسقفًا أو كاهنًا ولست منسجمًا (مع إيمانك) فالشبان لديهم ”حاسة الشّم“ ويقولون لك ”إلى اللقاء“. عندما تفكّر الكنيسة، أيّ كنيسة في أيّ بلد أو قطاع، في المال والتنمية وفي البرامج الرعويّة، وليس في العمل الرعوي، وتسير في هذا الاتجاه، فهذا الأمر لا يجذب الناس. عندما كتبتُ قبل ثلاث سنوات رسالتي إلى الشّعب الألماني، نشرها بعض الرعاة، لكن هذا متوقف على الأشخاص. هذا يعني، عندما يكون الراعي قريبًا من الناس يقول إنّ الشّعب يريد أن يعرف ماذا يفكّر البابا. أعتقد أنّ الرعاة يجب أن يتقدّموا، لكن إذا فقدوا رائحة الخراف، وإذا فقدت الخراف رائحة الراعي، لا يمكن التقدّم.

أحيانًا كثيرة – وأتكلّم هنا عن الجميع بصورة عامة لا عن ألمانيا فقط – يتمّ التفكير في كيفية تحديث العمل الرعوي: هذا أمر جيّد، لكن شرط أن يبقى في يد الراعي. إذا وُضع النشاط الرعوي في أيدي ”علماء الرعويّة“، الذين يُنظّرون هنا ويقولون ما ينبغي فعله هناك... (فلا يُحقق أي تقدّم). أسّس يسوع الكنيسة مع رعاة، لا مع قادة سياسيّين. أسّس الكنيسة مع أشخاص غير متعلّمين، فالاثنا عشر كانوا غير متعلّمين، وسارت الكنيسة إلى الأمام.

ماذا؟ بالرائحة، رائحة القطيع مع الراعي، والراعي مع القطيع. هذه هي أكبر علاقة أراها، حيث توجد أزمة في مكان ما وفي منطقة ما... أنا أتساءل: هل الراعي على تواصل مع الخراف، هل هو قريب منها؟ هل لتلك الخراف راع؟ نعم أم لا؟ المشكلة هي الرعاة. هنا أودّ أن أقترح عليك قراءة تعليق القدّيس أغسطينس على الرّعاة (في شرحه لحزقيال 34). يمكن قراءته في ساعة واحدة، لكنّها من أكثر الأمور حكمة التي كُتبت للرعاة، وبها يمكن أن تصف هذا الراعي أو ذاك. ليست القضيّة قضيّة تحديث. نعم، لا بد من تحديث الأساليب، هذا صحيح، لكن إذا نقص قلب الراعي لن ينجح أي نشاط رعوي. لن يكون هناك أي نشاط.

 

ماتيو بروني

شكرًا صاحب القداسة.

 

البابا فرنسيس

 

أشكركم جزيل الشّكر على صبركم وعلى مساعدتكم وأتمنّى لكم احتفالًا سعيدًا بعيد ميلاد ستيفانيا ورحلة سعيدة. شكرًا جزيلًا، شكرًا!

 

 ***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2022



Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana