إلى بودابست في مناسبة القداس الختامي للمؤتمر الإفخارستي الدولي الثاني والخمسين وإلى سلوفاكيا
كلمة قداسة البابا فرنسيس
في اللقاء مع الشّباب
في ملعب لوكوموتيفا في كوشيتسه
الثلاثاء 14 أيلول/سبتمبر 2021
______________________________________
أيّها الشّباب الأعزّاء، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، dobrý večer! [مساء الخير!]
أسعدني سماع كلام المونسنيور برنارد وشهاداتكم وأسئلتكم. طرحتم ثلاثة أسأله، وأودّ أن أحاول البحث معكم عن أجوبة لها.
أبدأ مع بيتر وزوزكا، وسؤالكما عن الحبّ في بين شابّ وشابّة. الحبّ هو أعظم حلم في الحياة، لكنّه ليس رخيصًا. إنّه حلمٌ جميل، لكنه ليس سهلًا، مثل كلّ الأشياء المهمّة في الحياة. إنّه الحلم، حلمُنا، لكن ليس من السّهل تفسيره. أقتبس منكم الجملة التالية: "لقد بدأنا ندرك هذه العطيّة بعيون جديدة تمامًا". بالفعل، كما قلتما، يحتاج الأمر إلى عيون جديدة، عيون لا تنخدع بالمظاهر. أيّها الأصدقاء، لا نقلّل من شأن الحبّ، لأنّ الحبّ ليس مجرّد عاطفة وشعور، أو إن وجدت العاطفة فهي فقط البداية. الحبّ ليس الحصول على كلّ شيء وفورًا، ولا يجيب لمنطق استخدِم وارمِ. الحبّ هو أمانة وعطاء ومسؤوليّة.
الأصالة الحقيقيّة اليوم، الثورة الحقيقيّة، هي التمرّد على ثقافة ما هو عابر، والذهاب إلى ما بعد الغريزة، ما وراء اللحظة. الحبّ هو لمدى الحياة، وبكلّ ذاتنا. لسنا هنا من أجل أن نقضي أيّامًا، بل لنجعل من الحياة مشروعًا. جميعكم لديكم في ذهنكم قصص رائعة، قرأتموها في الرّوايات، وشاهدتموها في بعض الأفلام التي لا تُنسى، وسمعتموها في بعض القصص المؤثّرة. لو فكّرتم، في القصص الكبرى، يوجد فيها دائمًا عنصران: أحدهما هو الحبّ والآخر هو المغامرة والبطولة. ويسيران دائمًا معًا. حتّى نصنع شيئًا كبيرًا، نحتاج إلى كليهما: الحبّ والبطولة. لننظر إلى يسوع، ولننظر إلى الصّليب، كلاهما موجودان: الحبّ اللامحدود والشجاعة لبذل الحياة حتّى النهاية، دون أنصاف حلول. هنا أمامنا توجد أيقونة الطوباويّة حنّة، إحدى أبطال الحبّ. تقول لنا أن ننظر إلى أهداف عالية. من فضلكم لا تدعوا أيّام الحياة تمرّ مثل حلقات المسلسل.
لذلك، عندما تحلمون بالحبّ، لا تؤمنوا بنتائج خاصّة. كلّ واحد منكم خاصّ ومهم، كلّ واحد منكم. كلّ واحد هو عطيّة ويمكن أن يجعل الحياة، حياته الخاصّة، عطيّة. الآخرون والمجتمع والفقراء ينتظرونكم. احلموا بجمال يتجاوز المظهر، ويتجاوز توجّهات الموضة. احلموا ولا تخافوا أن تكونوا عائلة، وأن تُنشِئوا أبناء وتربّوهم، وأن تقضوا حياة تشاركون فيها كلّ شيء مع شخص آخر، دون أن تخجلوا من ضعفكم، لأنّ هناك هو أو هي يرحّب بكَ/بكِ ويحبّكَ/كِ، هكذا كما أنت. هذا هو الحبّ: أن تحب الآخر كما هو، وهذا جميل! أحلامنا دليل على الحياة التي نريدها. الأحلام الكبيرة ليست السيّارة الفخمة، ولا اللبس بحسب الموضة، ولا الإجازة الطويلة. لا تستمعوا إلى من يكلّمكم على الأحلام ولكنّه يبيعكم أوهامًا. الحلم أو أن تحلم شيء، والأوهام شيء آخر. هؤلاء الذين يبيعون الأوهام بالحديث عن الأحلام هم يتلاعبون بسعادتكم. لقد خُلقنا لفرح أكبر: كلّ منا فريد من نوعه وهو في العالم ليشعر بأنّه محبوب في فرادته، وليحبّ الآخرين كما لا يستطيع أحد أن يفعل ذلك مكانه. لا نعِشْ جالسين على المقعد لنحفظ المكان لأحد آخر. لا، كلّ واحد هو فريد في عينَيْ الله. لا تسمحوا لأنفسكم وتكونوا متطابقين، نحن لسنا مخلوقين بالجّملة، نحن فريدون وأحرار، ونحن في العالم لنعيش قصّة حبّ، حبّ مع الله، ولنُقبِل بجرأة على الخيارات القويّة، ولْنغامِرْ في مغامرات الحبّ العجيبة. أسألكم: هل تصدّقون هذا؟ أسألكم: هل تحلمون بهذا؟ [يجيبون: ”نعم!“] هل أنتم متأكدون؟ [”نعم!“] أحسنتم!
أودّ أن أقدّم لكم نصيحة أخرى. حتّى يثمر الحبّ، لا تنسوا الجذور. وما هي جذوركم؟ هم الآباء والأجداد خاصّة. انتبهوا: الأجداد. هم أعدّوا الأرض لكم. اسقوا الجذور، واذهبوا إلى أجدادكم، هذا يفيدكم: اطرحوا عليهم الأسئلة، وخذوا وقتًا للاستماع إلى قصصهم. اليوم يوجد خطر الاقتلاع من الجذور، لأنّنا نميل إلى الركض، والقيام بكلّ شيء بسرعة: ما نراه على الإنترنت يمكن أن يصل إلينا إلى البيت فورًا، يكفي نقرة واحدة وسيظهر الأشخاص والأشياء على الشاشة. ثمّ يحدث أنّهم يصبحون مألوفين أكثر من وجوه والدينا. عندما نمتلئ بالرّسائل الافتراضيّة، فإنّنا نوشك أن نفقد جذورنا الحقيقيّة. أن ننفصل عن الحياة، وأن نشغِّل خيالنا في الفراغ، ليس خيرًا لنا، بل هو تجربة الشّرّير. يريدنا الله منّا أن ننغرس جيدًا في الأرض، وأن نبقى على تواصل مع الحياة، وألّا نكون منغلقين على أنفسنا، بل دائمًا منفتحين على الجميع! متجذرين ومنفتحين. هل فهمتم؟ متجذرين ومنفتحين.
قد تقولون لي: نعم، هذا صحيح، لكنّ العالم يفكّر بشكل مختلف. الكلام على الحبّ كثير. لكنّ السّائد هو مبدأ آخر وهو: كلّ واحد لنفسه. أيّها الشّباب الأعزّاء، لا تتأثّروا بهذا، بما هو خاطئ، وبالشّر الذي يُفسِد. لا تجعلوا أنفسكم سجناء الحزن أو الإحباط المستسلم لمن يقول إنّ شيئًا لن يتغيّر أبدًا. إن صدَّقتم هذا، سيصيبكم مرض التّشاؤم. وهل رأيتم وجه شاب متشائم؟ هل رأيتم أيّ وجه لديه؟ لديه وجه مكتئب، وجه فيه المرارة. يجعلنا التّشاؤم نصاب بالمرارة، ونهرم في داخلنا. الهرم ممكن وأنتم صغار. يوجد اليوم الكثير من القوى التخريبيّة، تشكو من الجميع ومن كلّ شيء، هم مثل مكبّرات صوت للسلبيّة، ومحترفون في التذمّر. لا تصغوا إليهم! لا، لأنّ التذمّر والتّشاؤم ليسا من المسيحيّة. الرّبّ يسوع ينفر من الحزن والشعور بأنّنا ضحايا. نحن لسنا مخلوقين لإبقاء وجوهنا لاصقة بالأرض، بل لنرفع نظرنا إلى السماء وإلى الآخرين وإلى المجتمع.
وعندما نُحبط -لأنّنا كلّنا في الحياة في لحظات معينة نُحبط قليلاً، فنحن جميعًا نعرف هذه الخبرة- وعندما نُحبط، ماذا يمكننا أن نفعل؟ يوجد علاج ناجع ليرفعنا من جديد. هذا ما قُلتَه لنا أنت يا بيتر: الاعتراف. هل أصغيتم الى بيتر؟ [”نعم!“] إنّه علاج الاعتراف. سألتني: "كيف يمكن لشابّ أن يتغلّب على العقبات في طريقه إلى رحمة الله؟" هنا أيضًا الموضوع موضوع نظر، النظر إلى الأهم. إذا سألتكم: "في ماذا تفكّرون عندما تذهبون إلى الاعتراف؟"- لا تقولوا ذلك بصوت عالٍ-، فأنا تقريبًا متأكد من جوابكم: ستقولون: إنّا نفكّر "في الخطايا". لكنّي أسألكم، أجيبوا- هل الخطايا حقًّا هي محور الاعتراف؟ [”لا!“] لا أسمع... [”لا!“] أحسنتم! هل يريدك الله أن تقترب منه وأنت تفكّر في نفسك وفي خطاياك أم فيه؟ ماذا يريد الله؟ أن تقترب منه أم من خطاياك؟ ماذا يريد؟ أجيبوا [”منه!“] بصوت أعلى، لأنّي لا أسمع جيدًا... [”منه!“]. ما هو المحور، الخطايا أم الأب الذي يغفر كلّ شيء؟ إنّه الأب. نحن لا نذهب لنعترف مثل المعاقَبين الذين يجب أن يتواضعوا، بل مثل الأبناء الذين يركضون ليحظَوْا بعناق الآب. والآب يقيمنا في كلّ مرة ويغفر لنا كلّ خطيئة. اسمعوا هذا جيدًا: الله يغفر دائمًا! هل فهمتم؟ الله يغفر دائمًا!
أقدّم لكم نصيحة صغيرة: بعد كلّ اعتراف، ابقوا بضع لحظات حتّى تتذكّروا المغفرة التي نلتموها. حافظوا على ذلك السّلام في قلبكم، وعلى تلك الحريّة التي اختبرتموها في داخلكم. لا الخطايا التي لم تعد موجودة، بل المغفرة التي منحك إيّاها الله. على هذا حافظوا، لا تفقدوها. وعندما تذهبون إلى الاعتراف في المرّة القادمة، تذكّروا هذا: أذهب لأحظى بالعناق نفسه مرّة أخرى الذي ساعدني كثيرًا. أنا لا أذهب إلى قاضٍ لتسوية الحسابات، بل أذهب إلى يسوع الذي يحبّني ويشفيني. في هذه اللحظة أريد أن أقدّم نصيحة للكهنة: أودّ أن أقول للكهنة أن يشعروا أنّهم في مكان الله الآب الذي يغفر دائمًا ويعانق ويستقبل. لنعطِ الله المكان الأوّل في الاعتراف. إن كان الله، إن كان هو الشخص الأهمّ، يصبح كلّ شيء جميلًا ويصبح الاعتراف سرّ الفرح. نعم سرّ الفرح: ليس سرّ الخوف والدينونة، بل الفرح. ومن المهمّ أن يكون الكهنة رحماء. لا فضوليّين، ولا محقّقين، من فضلكم، كونوا إخوة تمنحون مغفرة الآب، وكونوا إخوة ترافقون عناق الآب هذا.
لكن قد يقول أحدٌ: "أنا أخجل على أيّ حال، لا يمكنني أن أتغلّب على خجل الذهاب إلى الاعتراف". هذه ليست مشكلة، بل هذا شيء جيد! أن نخجل من أنفسنا في الحياة أحيانًا يفيد. إذا كنت تشعر بالخجل، فهذا يعني أنّك لا تقبل ما فعلته. الخجل هو علامة جيّدة، لكنّه مثل أيّ علامة يطلب الذهاب إلى أبعد من ذلك. لا تظلّ أسير الخجل، لأنّ الله لا يخجل بك أبدًا. إنّه يحبك بالتّحديد هناك، حيث أنت تخجل من نفسك. وهو يحبّك دائمًا. أقول لكم شيئًا ليس معروضًا على الشاشة الكبيرة. في أرضي، أولئك قليلي الحياء الذين يرتكبون كلّ شرّ، نناديهم هؤلاء الذين ”لا يخجلون“.
وشكٌّ أخير: ”لكن يا أبتِ، لا أستطيع أن أغفر لنفسي، لذلك لا يستطيع حتّى الله أن يغفر لي، لأنّني سأقع دائمًا في نفس الخطايا“. لكن، اسمع، متى نهين الله؟ عندما تذهب لتطلب منه المغفرة؟ لا. أبدًا. نهين الله عندما نفكّر أنّه لا يستطيع أن يغفر لنا، وكأنّنا نقول له: ”أنت ضعيف في المحبّة!“. أن أقول لله هذا إنّما هو أمرٌ سيء! أن تقول له ”أنت ضعيف في المحبّة!“. الله يفرح عندما يغفر لنا في كلّ مرّة. عندما يقيمنا من الخطيئة يؤمن بنا مثل المرّة الأولى، ولا يشعر بالإحباط. نحن الذين نُحبط، أمّا هو فلا. إنّه لا يرى الخاطئين ليصنّفهم (في فئة الخاطئين)، بل يرى فيهم أبناء ليحبّهم. ولا يرى أناسًا أخطأوا، بل يرى أبناء محبوبين، قد يكونون جرحى، فتزداد فيه الرّحمة والحنان. وفي كلّ مرّة نعترف - لا تنسوا هذا أبدًا – يكون في السّماء احتفال. ليكن أيضًا كذلك على الأرض!
أخيرًا، يا بيتر ولينكا، لقد اختبرتما الصّليب في الحياة. شكرًا على شهادتكما. لقد سألتما كيف "نشجّع الشباب على عدم الخوف من معانقة الصّليب؟ عانق، فعل جميل. العناق يساعد في أن نتغلّب على الخوف. عندما يعانقنا أحد، نستعيد الثّقة بأنفسنا وأيضًا بالحياة. لذلك لنسمح لأنفسنا بأن يعانقنا يسوع. لأنّه عندما نعانق يسوع نعانق الأمل مرّة أخرى. لا يمكن أن نعانق الصّليب وحده، فالألم لا يخلّص أحدًا. إنّه الحبّ الذي يحوّل الألم. لذلك، نعانق الصّليب ونعانق يسوع معه، وليس الصّليب وحده، أبدًا! عندما نعانق يسوع، يولد الفرح من جديد. وفرح يسوع في الألم يتحوّل إلى سلام. أعزّائي الشباب والشابات، أتمنّى لكم هذا الفرح، فرحًا أقوى من كلّ شيء. أتمنّى لكم أن تحملوه إلى أصدقائكم. لا تحملوا مواعظ بل الفرح. احملوا الفرح! لا كلامًا، بل ابتسامات وقُربًا أخويًّا. أشكركم لأنّكم أصغيتم إليّ وأسألكم شيئًا أخيرًا: لا تنسَوا أن تصلّوا من أجلي. Ďakujem! [شكرًا!]
يرجى من الجميع الوقوف، ولنصلّ إلى الله الذي يحبّنا. لنصلّ صلاة الأبانا: "أبانا..." [باللغة السلوفاكية].
[البركة]
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021
Copyright © Dicastero per la Comunicazione - Libreria Editrice Vaticana